الرئيسية » أقلام اقتصادية »
 
07 آذار 2018

مقال: المرأة الغزية بين ... التهميش والتمكين الاقتصادي؟

تهجير أكثر من 34697 سيدة جراء تدمير منازلهن بشكل كلي أو بشكل جزئي ، مما عمل على فقدان النساء الغزيات خصوصيتهم الإجتماعية نتيجة للتهجير القسري والسكن في فترة الحرب بغير منازلهم وبقائهن في أماكن غير أماكنهن وقد فقدت أكثر من 791 إمرأة أزواجهن خلال الحرب الأخيرة 2014، مما جعل أكثر من 10% من الأسر الغزية تعيلها النساء

أمين فايق أبو عيشة

باحث وخبير اقتصادي

يشكل موضوع تمكين المرأة بشكل عام وزيادة مشاركتها الاقتصادية بشكل خاص واحدة من أهم أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة في كل الدول وبشكل خاص الدول والكيانات النامية، وبالتالي فالعلاقة تكاملية ما بين إسهامات المرأة في البناء الاقتصادي والمجتمعي للدولة وما بين تعزيز ودعم قرارتها في النهوض وإعادة التنظيم والتطوير من جانب آخر، هذا الأمر يعتبر من غايات ومتطلبات التنمية التى ارست دعائمها في اعلان الأمم المتحدة في سبتمبر 2000 والذى من أحد أركانها تمكين المرأة وذلك لاستئصال جملة من المشاكل الاقتصادية كالجوع والفقر المدقع والبطالة ، وفي كل عام وفي الثامن من مارس / آذار يحتفل العالم كل العالم شمالة وجنوبة بيوم المرأة ، و لا زالت أوضاع نسائنا وبالأخص في قطاع غزة أوضاع مأساوية ، فالمرأة الغزية ما زالت تلملم جراحها هذا العام وكل عام ، فالحروب العدائية المتتالية لثلاثة مرات ما زالت آثارها باقية والانقسام والحصار لم ينتهي، والأوضاع والواقع قاسي فاتهتك والتراجع ما زال سيد الموقف ليس فحسب على المستوي الاقتصادي بل شمل الأمر جوانبة المجتمعية .

فالمرأة ما زالت تدفع ثمن فاتورة هذه الحروب في غزة وتدفع نفقة الأنقسام وما خلفة من ضياع وارتفاع في معدلات البطالة والتي وصلت لأعلاها خلال الربع الأول من العام الجاري وبلغت نسبتها 49% من إجمالي المتعطلين عن العمل ، وبالتالي أصبحت النساء الغزيات يقبلن بالعمل بأقل الأجور المقدمة لهن وذلك لتحسين أوضاع اسرهن الكارثية وحاجتهن الملحة للإنفاق على عائلتهن وبالتالي في العديد من الحالات والأحيان خرجت النساء الغزيات لأعمال خطرة ، هذا الأمر أورث استغلالاً من قبل أرباب العمل لهن وذلك بأعمال مرهقة وأجور زهيدة وتحديداً في القطاع الخاص (فمربية الحضانة أو رياض الأطقال راتبها الشهري لا يزيد عن 400 شيكل شهرياً )، كما انخفضت القوى الشرائية وتردت جملة الأوضاع ليس فقط الحياتية بل المعيشية للكل وبشكل خاص المرأة في قطاع غزة، فخلال الحروب الماضية على قطاع غزة (2008-2014) استشهدت أكثر من 600 امرأة ،وأصيبت خلال الحرب الأخيرة على القطاع (حرب 51 يوم )أكثر من 489 إمراة ما زال أكثر من 100 يعاينين من إعاقات دائمة ، كما إجهضت أكثر من 600 إمراة حامل وذلك حسب مركز الأبحاث والإستشارات القانونية للمرأة ، إضافة لتهجير أكثر من 34697 سيدة جراء تدمير منازلهن بشكل كلي أو بشكل جزئي ، مما عمل على فقدان النساء الغزيات خصوصيتهم الإجتماعية نتيجة للتهجير القسري والسكن في فترة الحرب بغير منازلهم وبقائهن في أماكن غير أماكنهن وقد فقدت أكثر من 791 إمرأة أزواجهن خلال الحرب الأخيرة 2014، مما جعل أكثر من 10% من الأسر الغزية تعيلها النساء، كما وحرمت المرأة الغزية من حقوقها ليست فقط المعيشية بل ومن حقها بحرية التنقل والسفر وذلك جراء الاغلاقات المستمرة لمعبر رفح البري طوال سنوات مضت، صار هذا الأمر وحدث في غزة وغزة وحدها .

والمصيبة والكارثة أن الاحتلال الإسرائيلي لم يجبر على دفع الثمن بحق انتهاكاته سالفة الذكر بحق نساء غزة ، وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة الغزية وحتى المرأة الضفية في العمل يعتبر مؤشراً تنموياً ليس فقط محلياً بل وعالمياً وذلك لأعتبارة القوة المحركة للنشاط الاقتصادي في المجتمع، فعلى الرغم من الجهود التي تبذل سواء على المستوي الرسمي أو غير الرسمي وبشكل خاص المجتمعي إلا أن  هذه المشاركة في إجمالي القوي العاملة تعتبر ضعيفة في قطاع غزة ولم تنعكس بشكل قوي على أرض الواقع فلا زالت هذه النسبة متدنية وتصل في سقوفها العليا 14% مقابل مشاركة ذكورية تصل لمستويات 87%  مقابل مشاركة عربية تقترب من 25% وعالمية تصل لأكثر من (50%-70%) وتأتي هذه المشاركة الواهنة والضئيلة رغم إرتفاع مستويات التعليم في قطاع غزة ، كما أن فجوة الأجور ترتفع بينها وبين الرجال لتصل لثلاثة أضعاف ،إن استمرارية هذا الأمر وقلة عنصر المشاركة والتمكين الإقتصادي للمرأة الغزية يعمل على تعطيل العملية التنموية ليس فقط من خلال إنتهاك جق المرأة الغزية في العمل بحسب، بل وفي تحديد خياراتها الأفضل.

إذ تشير الدراسات العالمية أن مشاركة المرأة العاملة في البلدان النامية لا يساهم فقط في زيادة ورفع قدرة المجتمع على تحمل الصدمات الاقتصادية، بل يتضمن الأمر إيقاف التفكك الاجتماعي وإبقاءه ضمن حدوده الدنيا، وتزداد الحاجة لهذا الأمر مع زيادة ترأس المرأة الغزية للأسرة نتيجة لإستشهاد الزوج أو الأب، هذه الأسر إن لم تكن المرأة بها تعمل فبكل تأكيد ستكون هي الأكثر عرضة للفقر ، إن التمكين الحقيقي للمرأة الغزية يجب أن يندرج عنه عدد من الأمور أبرزها، ضرورة العمل على حسن استغلال الطاقات التي يجب أن تتوافر في عدد من المجالات من خلال العمل على توفير جملة من البرامج التوعوية بأهميتها وبأهمية أن تحافظ على دورها في بناء المجتمع تحديداً أكثر في القطاعيين التعليمي والصحي، وألا تسعي للتقاعد المبكر أوقبول الأدوار الهامشية وذلك رغبة لها في الراحة والبعد عن المسؤولية والمسألة، كما ويجب العمل على التوسيع من خياراتها وتعددها والتأكيد على حقها للمشاركة الفاعلة في بناء الاقتصاد الوطني، والتأكيد على دورها الإيجابي في بناء المجتمع، وإبراز دورها الكبير في العمل على التقليل من الضغط المجتمعي ،لقد بات التمكين والتمتين الاقتصادي للمرأة الغزية من نافلة الحديث والقول وبالتالي لا يتطلب هذا الأمر مقاتلة المرأة الفلسطينية والغزية من أجل هذا الحق وذلك للحصول عليه، فمن الصعب في نظري إهدار نصف المورد الإقتصادي وذلك دون الاستغلال الأمثل له، ....ببساطة لأنه أساس التنمية الإقتصادية والمجتمعية . رغم قناعتي أن المرأة الغزية والفلسطينية تشكل نصف المجتمع وهي كذلك إلا أنه في حالتنا الغزية هي التي تنشئ وتبني النصف الآخر، فمتى تعطى حقها بالتمتين والتمكين فالكل بداية نهاية...

 

 

مواضيع ذات صلة