مقال...ماذا لو أوقف التوظيف الحكومي؟
تستنزف السلطة الوطنية الفلسطينية وفقاً لما سبق أكثر من 49% من موازنتها العامة لدفع فاتورة الرواتب والأجور فقط وما نسبته 16% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني. وبنظرة ايضاحية فقد ارتفعت نسبة الإيرادات العامة الحكومية إلى النفقات من 69% في العام 2013 إلى 86% في العام 2017
أمين فايق أبو عيشة
محلل مالي وخبير اقتصادي-غزة
عانى الاقتصاد الفلسطيني طوال السنوات الماضية عدد من المشاكل المؤلمة والمؤرقة ، التى ما زالت تتوالى وتتراكم مع مرور الوقت والزمن. ومن أبرز هذه الإشكاليات وأشدها قسوة هو عدم القدرة -ولسنوات مضت -على ملائمة الإنفاق العام للسلطة الوطنية الفلسطينية لمستويات التوظيف الحكومي وذلك نتيجة لأمرين: الأول هو شح مصادر الإيرادات العامة، والأمر الثاني هو إنخفاض معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي.
هذا الوضع خلق مما لا شك فيه معدلات عالية من البطالة والتضخم وجعل القطاع العام (الحكومي) يولد معدلات عالية من التوظيف العقيم (غير المنتج)، فالمواطن الفلسطيني يرغب ويفضل بشكل عام التشغيل الحكومي مقارنة مع التوظيف في القطاع الخاص، ببساطة أيضاً لسببين الأول هو وجود درجة عالية من الاستقرار والأمان الوظيفي، والثاني المتعلق بقدر عالي من الحوافز وبجودة أعلى من الترقيات وساعات العمل والدوام الأقل في التوظيف الحكومي وذلك مقارنة مع التشغيل في القطاع الخاص.
وبناء على ما سبق، فإن أعداد الوظائف العامة في وزارات ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية تتزايد وبشكل مستمر. ففي أخر البيانات الصادرة عن وزارة المالية تبين أن أعداد الموظفين تقترب من 157 ألف موظف في القطاع العام، مقارنة مع 251 ألف موظف يُشغّلهم القطاع الخاص، أي أن التشغيل العام يستحوذ على 38% تقريبا من معدلات التوظيف. وبمقارنة بسيطة مع معايير دولية وعربية، تتراوح هذه النسب في حدودها 12% وحتى 25% هذا الأمر يعني بلا ريبة مزيداً من الترهل والتضخم ليس فقط الإداري بل المالي أيضًا.
فالسلطة الوطنية الفلسطينية تستنزف وفقاً لما سبق أكثر من 49% من موازنتها العامة لدفع فاتورة الرواتب والأجور فقط وما نسبته 16% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني. وبنظرة ايضاحية فقد ارتفعت نسبة الإيرادات العامة الحكومية إلى النفقات من 69% في العام 2013 إلى 86% في العام 2017 ،هذا الأمر يعني وبكل وضوح إنحسار النفقات التشغيلية والتطويرية بل وإنعدامها في كثير من الحالات من بنود الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية، إن مواجهه هذه الإشكاليات يتطلب في حقيقة الأمر (تغييراً في نمطية التفكير)، لدى المواطن الفلسطيني وإدخال تحسينات مستمرة في أعداد ومعدلات التوظيف في القطاع الخاص ورواتبه أيضاً، و تقليص عدد ساعات العمل فيه ،ومن ثم عدم الاعتماد على القطاع العام في التشغيل ،فالقاعدة العامة الواجب إدراكها والعمل بها هنا أن السياسات التشغيلية الحكومية يجب ألا تؤسس على التوظيف العام بل يجب أن تقوم على إيجاد مزيداً من فرص العمل وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص.
ومما لا شك فيه أن المجتمع العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، يطمئن للوظيفة الحكومية أكثر من غيرها، وذلك نتيجة لعدد من الأمور أبرزها الإغلاقات المتكررة للمعابر، والتسريح لعدد كبير من العمالة الفلسطينية من قبل (إسرائيل) وبشكل خاص عمالة المحافظات الجنوبية، كما أن الأوضاع الإحتلالية نتج عنها ضعف شديد في أركان ومفاصل القطاع الخاص وبالتالي انعدام مرونته الوظيفية، هذا الأمر يعني زيادة الضغط على القطاع العام في التوظيف وصولاً إلى ما يعرف بالتخمة الوظيفية.
وخاصة حين نتكلم عن التشغيل في الكادر الأمني. فوفقاً للإحصائيات، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالحكومة تتربع على عرش العشر الكبار في الترهل الوظيفي، تسبقها المملكة الأردنية الهاشمية بتخمة وظيفية نسبتها 40% من حجم التوظيف الكلي، حيث توجد البطالة المقنعة “غير المنتجة"، في كل الوزارات.
لذلك، يجب أن تتحمل السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بوزارة العمل والاقتصاد ووزارة التربية والتعليم العالي والجامعات مسؤولياتها و العمل على خلق واستحداث المزيد من فرص العمل وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص، ببساطة لأنه و بخلاف الطرح السابق فإن استدامة عمليات الإنفاق على شكل رواتب وأجور ورعاية صحية وخدمات أخرى لهذه الشريحة الضخمة من الأيدي العاملة يعني تواصل المعضلة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، و إستنزاف دائم للخزينة العامة للحكومة الفلسطينية والتى هي في الأساس يشوبها قدر عالي من العجز الجاري والهيكيلي، وفي الختام أقول أن حالة اللا توازن القائمة بين إمكانيات السلطة الوطنية الفلسطينية ومواردها المالية من جهة وما تنفقه على القطاع العام من جهة ثانية ستتواصل وسستفاقم، وضبطاً للأمر وجب منا كسلطة وطنية فلسطينية مراعاة عدد من الأمور الممثلة في ضرورة إعادة هيكلة وتصحيح القطاع العام الفلسطيني، ومن ثم ترشيق حجم التوظيف العام وتقليل التخمة الوظيفية الموجودة من خلال وجود قدر عالي من الجهود التوجيهية والتطبيقية المرتبطة بضرورة مشاركة القطاع الخاص في عمليات التشغيل، و متابعة مستويات الأداء الحكومي للسلطة الوطنية الفلسطينية من خلال ضبط الإنفاق الجاري المتمثل في تقليل فاتورة الرواتب والأجور وتحديد سقوف عليا للرواتب واتباع سياسة تقشفية وحصر التشغيل الحكومي في الشواغر الناتجة عن حالات التقاعد وترتيب التوظيف الجديد ،ومن ثم التخلي الجزئي والكلي للسلطة عن الهبات والمساعدات والمنح الخارجية بعد تصحيح المسار وحتى الوصول لمرحلة وقف وخفض الدين الداخلي والخارجي لاحقاَ، وختاماً نقول إن النمو الأقتصادي هو وحده الذي يحفز التوظيف الحكومي ويبقيه قيد الخدمة . فلكل بداية نهاية.