إشكاليات أدت لضعف دور النقابات العمالية في فلسطين
للعمل النقابي في فلسطين أهمية تنطلق من ضرورة تنظيم العلاقات مع أصحاب العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى تنظيم العلاقة مع الدولة، من خلال امتلاك السلطة التي تخول هذا الجسم تمثيل العمال والحديث باسمهم أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية، والعمل على تحسين مستواهم الاقتصادي، وتقديم مجموعة من الخدمات الاجتماعية والثقافية لهم.
الكاتب: نور بدر- باحثة في مركز الأبحاث الفلسطيني
تمكنت الحركة النقابية الفلسطينية خلال القرن الماضي من وضع الأسس النظرية لعملها وانطلقت منها، فتارة استطاعت تحقيقها، وتارة أخرى وقفت العديد من الاشكاليات والمعيقات أمامها.
ويمكن اعتبار مرحلة التأسيس الحقيقة للعمل النقابي في فلسطين بتأسيس "جمعية العمال العربية الفلسطينية" والتي حصلت بدورها على ترخيص بالعمل في 21/3/1925.
ومع دخول فلسطين العام 1948، وهو عام النكبة الفلسطينية، تعثرت الحركة النقابية التي تشكلت في المدن الرئيسية في حيفا ويافا وعكا واللد، وتشرد الشعب الفلسطيني فتحولوا الى لاجئين يفتقدون لأدنى مقومات الحياة، فخرجوا للبحث عن عمل إلا أن الكثير من هذه المحاولات قد باءت بالفشل، وذلك لانعدام فرص العمل في كثير من الأحيان من جهة، ومن جهة أخرى المزاحمة والمنافسة الكبيرة التي انعكست بصورة سلبية على العامل الفلسطيني، الذي أصبح يتقبل فكرة العمل ساعات طويلة في ظروف عمل سيئة لقاء عائد مادي بسيط جداً، لأن هذه الخيار الوحيد المتاح أمامه، وإلا فإن البديل هم أيضاً طوابير من العمال على استعداد بالعمل في نفس الظروف متى سنحت لهم الفرصة، وبالتالي تقبل الكثير منهم هذا الوضع بكل ما فيه من سلبيات، وهذا كان له دور في اضطهاد العمال وظلمهم، في ظل تشتت وتشرذم النقابات الموجودة ولجوؤهم الى العديد من الدول.
ومنذ نشوء منظمة التحرير حتى نشوء النظام السياسي الفلسطيني ارتبط العمل النقابي بشكل أساس بالصراع مع الاحتلال الاسرائيلي وفي مراحل كثيرة طغت المطالب النضالية المتمثلة بمحاربة الاحتلال الاسرائيلي على النضالات المطلبية ذات العلاقة بالعمال وبحقوقهم.
ومع تشكل النظام السياسي الجديد في أعقاب اتفاق أوسلو ظهرت محطة مفصلية في العمل النقابي، وهي الفترة بعد العام 1994، حيث أخذ العمل النقابي منحى آخر مع هذه التطورات الجديدة، فمن ناحية تعمقت الإشكاليات التي رافقت العمل النقابي أكثر وأكثر، ومن ناحية أخرى برزت مجموعة من الإشكاليات الجديدة التي أبرزها الواقع الفلسطيني الجديد.
إشكاليات أدت لضعفها
أبرز الإشكاليات التي أدت إلى ضعف هذه النقابات، وتراجع إنجازاتها بحق الطبقة العمالية التي تمثلها تمثلت بعدد من الاشكاليات، كعدم وجود قانون ينظم عمل النقابات والذي لا يزال مشروعا لدى المجلس التشريعي الفلسطيني، فغياب قانون يوفر الحماية الكافية اللازمة للحقوق والحريات النقابية، أدى في الممارسة العملية الى انتهاك واسع للحق في التنظيم النقابي في غالبية المنشآت.
وعدم وجود محاكم عمالية وضعف قدرة القضاء على البت في القضايا العمالية فقد بلغ عدد القضايا العمالية الواردة خلال الشهور الأولى من العام 2016، 742 جرى البت في 73 فقط، وهناك مئات القضايا في المحاكم تضيع الحقوق على العمال نتيجة عدم متابعتها في القضاء".
كذلك أزمة الثقة بين العاملين وشريحة العمال، ويتضح ذلك من خلال ضعف المام العمال بالأمور القانونية وحقوقهم التي يتمتعون بها، وفي هذه الحالة فإن حقوق العامل تضيع فهو لا يعرف حقوقه وليس منتسب للنقابة، ولا يستطيع توكيل محامي لمتابعة قضيته، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة المشغلين.
كما تظهر أزمة الثقة بشكل واضح من خلال ضعف الدور الذي لعبته النقابات في تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور والذي تم إقرار العمل فيه بتاريخ 1-1-2013.
اضافة الى ضعف الانتساب، وعدم استقرار أعداد المتسبين للنقابات العمالية، من الصعب استنتاج العدد الإجمالي للعمال المنخرطين في الحركة النقابية.
وإذا افترضنا أن الرقم المطروح من قبل الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عن أعداد المنتسبين إليه (170,000) عامل) هو السقف الأعلى للعمال المنخرطين في الحركة النقابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهذا يعني أن نسبة هؤلاء العمال إلى القوى العاملة 16.2% في غزة، و 20.7 % في الضفة الغربية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم الاستقرار في أعداد المنتسبين الى النقابات، والذي تمثل بتوجه أعداد كبيرة من العمال للعمل في السوق الإسرائيلي، فقد أظهرت نتائج الدراسة التي قام بها الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين بأن 99% من هؤلاء الذين يتوجهون للعمل في السوق الاسرائيلي يعملون في القطاع الخاص الإسرائيلي، وعلى رغم من توفر الإمكانية لهؤلاء العمال للانتساب للنقابة، إلا أن الكثير منهم لا ينتسبون الى النقابة التي تختص بمجال عملهم، فعلى سبيل المثال بلغ عدد المنتسبين لنقابة عمال البناء والأخشاب التي تشكل واحدة من نقابات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، 1400 عامل في الوقت الذي تشير فيه البيانات الى أن عدد العاملين في السوق الإسرائيلي 92 الف عامل، حيث يأتي عمل هؤلاء في ظل اضطهاد كبير للعمال الفلسطينيين، فعمال المستوطنات مثلا هم عمال لا حقوق لهم، وفي حالة تعرضهم لإصابة عمل لا تتم معالجتهم لا في المستشفيات الاسرائيلية ولا المستشفيات الفلسطينية، وتعتبر فئة العمال الذين يدخلون للعمل إلأى داخل اسرائيل الفئة الأكثر اضطهاداً حيث يتعرضون للتهديد والتحايل والنصب والتحرش والضرب والمعاملة الغير إنسانية.
هذا الوضع أدى إلى حدوث فجوة بين عدد العمال المنتسبين وهم العمال المسددين لالتزاماتهم المالية تجاه النقابة ويترتب عليه حقهم في الانتخاب والترشح والاستفادة من الخدمات التي تقدمها النقابة، وبين عدد العمال المسجلين لدى النقابة، وهم الذين لم يقوموا بتسديد التزاماتهم المالية، وفي دراسة أعدها معهد ماس ظهرت هذه الفجوة في النتائج التالية:
أعداد العمال الذين ينتمون إلى الاتحادات العمالية:
الهيمنة الحزبية على العمل النقابي والتنافس بين القوى النقابية والتي تزايدت حدتها بعد تراجع العمل العسكري كنتيجة لتوقيع مجموعة من الاتفاقيات، فتوجهت الفصائل والأحزاب السياسية نحو البديل ألا وهو العمل الجماهيري، وانعكس ذلك بصراعات سياسية بين القوى السياسية داخل النقابات العمالية.
الانقسام الفلسطيني وقد أحدث الانقسام الفلسطيني حالة مشوهة، حيث تراجع العمل المشترك، وأضحت النقابة الواحدة كأنها نقابتان منفصلتان في كل شيء، رافق ذلك صعوبة في التواصل ما بين الضفة والقطاع، فكان الحل لدى بعض النقابات عقد اجتماعاتها في دولة أخرى كالأردن أو مصر، ولكن هذا في حد ذاته وضع على النقابة أعباء وصعوبات. ألقى بظلاله على وحدة النقابة الواحدة.
صعوبة التواصل بين المحافظات الفلسطينية بالرغم من صغر مساحة المناطق التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية، الا أن الإجراءات الممارسة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كالحواجز والتفتيش على المعابر والطرق الالتفافية الطويلة، كان له أثر بالغ على متانة وقوة التواصل بين النقابات الفرعية مع النقابة العامة التي تمثلها، وشكل هذا في بعض الأحيان عامل ضعف وتشتت للنقابة في بعض الأحيان عن النقابة الأم.
السياسات الرسمية الاجتماعية والاقتصادية العامة فالمفترض أن الجهة التي يجب أن تكون قادرة على التأثير على السياسات الاقتصادية هي الحركة النقابية لان هذه هي وظيفتها الأساسية، لأن السياسات المنفذة على أرض الواقع هي سياسات منحازة لرأس المال، وينتج عنها الاستغلال والظلم الذي يتعرض له مجموعة من القطاعات
نلخصها في:
*نسبة البطالة المرتفعة والتي تصل الى قرابة 20%، ويشكل الشباب النسبة الأكبر منها بواقع 45%.
*36% من العاملين بأجر رواتبهم تحت الأدنى للأجور، ويبلغ عددهم 130.000 عامل وعاملة. حيث يوجد 40 مفتش موظفين، من أصل 400 مفتش يجب توظيفهم كمراقبين على تنفيذ بنود قانون العمل.
*يتعرض 38% من العاملين بأجر في القطاع الخاص والأهلي لا يحصلون على أتعاب نهاية خدمة ولا إجازات أي أنهم (بلا حقوق).
هؤلاء يسلب منهم حوالي مليار دولار سنوياً تذهب الى المشغلين.
*ضعف الرقابة على السلامة المهنية في المنشآت والمصانع الأمر الذي نتج عنه مجموعة من الحوادث التي لها علاقة بشروط السلامة المهنية، "ففي العام 2016 توفي في الضفة 22 عامل فلسطيني أثناء عملهم في مختلف المحافظات، والغالبية العظمى منهم كانت تعمل ضمن قطاعات الإنشاءات"، حيث يعمل الغالبية من الفلسطينيين ضمن نطاق فئة العاملين بأجر، وهم الشريحة الأكبر بناء على إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء لفلسطيني، حيث ظهر أن التوزيع النسبي للعاملين حسب الحالة العملية، الربع الأول.
يلاحظ من الرسم البياني الوارد أعلاه بأن الشريحة الأكبر من العاملين هم العاملين بأجر وبلغت نسبتهم (68.3%)، وهذه هي الشريحة الأكبر التي من المفترض أن تكون تقف خلفها حركة نقابية قوية، ومؤسسات قضائية قادرة على البت في القضايا الموكلة لها.
ويظهر هنا الحاجة للاسراع بسن قانون النقابات الفلسطيني، وأن يتم اتخاذ خطوات جدية وجرئية لاعادة الثقة والمصداقية لعمل هذه النقابات، كما يجب أن لا يتم تسيس هذه النقابات، والتعامل معها كأدوات سياسية خصوصاً في ظل الانقسام الفلسطيني.