مخلفات صناعة الحجر من ملوث بيئي لثروة اقتصادية
محاولات فلسطينية مبشرة في رام الله ونابلس لتحويل مخلفات الكسارات والمحاجر إلى مواد بناء في مسعى لتقليل ضررها على البيئة، حيث تتراكم المخلفات في الأودية والأراضي الفلسطينية منذ عشرات السنين بلا حل جذري للتخلص منها أو إعادة استغلالها.
حسناء الرنتيسي
تقول المهندسة "صفار سدر" مديرة مختبر فحص الحجر في مركز الحجر والرخام التابع لجامعة بوليتكنك فلسطين لمعدة التقرير "حسناء الرنتيسي"، أن أنواع مخلفات الحجر تصنف إلى ثلاثة أصناف، وهي المخلفات الصلبة التي تخرج من خلال كسر الحجارة في المحاجر، والمخلفات السائلة وهي البودرة الذائبة التي يقال عنها "الرًّب"، والمخلفات الجافة من الكسارات وهي البودرة الناعمة.
وتتسبب الاخيرة حسب المهندسة سدر في تلوث الهواء وزيادة نسبة كربونات الكالسيوم في التربة، والتسبب في مشاكل للغطاء النباتي.
آلية تخلص تقليدية
تعتبر بودرة الحجر "البودرة الناعمة" ملوثاً بيئياً خطيرا عجزت الجهات المختصة على مدار سنوات في التخلص منها.
تقول م. سدر أنه يتم انتاج نحو مليون طن سنويا من هذه المادة، والتي تنتج من المحاجر والمصانع والمقالع، وتعتبر عبئا كبيرا على الجهات المنتجة وعلى البيئة، وتتخلص المصانع منها في أراضي مهجورة أو في محجر قديم يتم إلقاء البودرة فيه، أو أي مكان مفتوح.
وتوضح م. سدر أن المشهد يكون عبارة عن أكوام فوق الارض من هذه البودرة، حيث يتم أولا إنشاء حفرة بعمق عدة أمتار ثم إضافة شاحنات من هذه البودرة في الحفر، لتشكل في النهاية جبلا كبيرًا من الملوثات الراكدة في مكانها.
بدوره يقول أمجد ابراهيم مدير مكتب أريحا في سلطة البيئة أن طرق التخلص من هذه المخلفات تختلف من محافظة لأخرى، ففي نابلس أنشأوا مكبًا للتخلص منها قريب من محطة المعالجة، وفي الخليل أنشأوا مكانا لفصل المياه عن البودرة وتم استخدام البودرة في أعمال القصارة والطوب، لكن معظم المنتجين لهذا الملوث يجدون أي مكانٍ متاحٍ ويتخلصون منه.
ويقول إبراهيم أن إلقاء المخلفات في أماكن غير مخصصة لها هو مخالفة، ويتم استدعاء من يتم كشفه ويغرّم، وقد يتم حبسه.
محاولة ايجاد بدائل
تشير م. سدر الى محاولات فلسطينية في رام الله ونابلس لإيجاد بدائل لاستخدام البودرة في منتجات صديقة للبيئة وفي البناء، مستفيدين من خبرات دول عالمية تقوم برش هذه المادة بعد علاجها على الأراضي الزراعية فتصبح التربة أكثر خصوبة.
كما تشير المهندسة الى إمكانية استخدامها في مواد البناء، حيث يمكن إضافة هذه البودرة للباطون الخفيف مع مواد اخرى ضمن معادلة مدروسة للحفاظ على قوة الباطون، وبنفس الوقت استغلال جزء من بودرة الحجر في صناعته.
"وفي الباطون العادي بدلا من استخدام نسبة كبيرة من الرمل نخفف الرمل ونزيد من بودرة الحجر بنسب مدروسة أيضا، ووفق معادلة خاصة خاضعة للتجربة حتى الوصول الى الخلطة المناسبة بما لا يؤثر على قوة الحجر". تقول م.سدر
كما يمكن إنتاج مواد "الدبق" المستخدمة في البلاط من خلال استخدام بودرة الحجر.
وأضافت م. سدر أن مركز الحجر والرخام قد أجرى دراسة لشركة في جامعة بيرزيت تنتج هذا الدبق من بودرة الحجر منذ نحو سنة، وهذا مؤشر جيد.
أما النسب المستخدمة في هذه البدائل المطروحة فهي بسيطة جدا وفق م. سدر، لكن هناك بعض الخطورة في عمل مشروع استثماري على هذا النحو كونه شيء جديد قد يجابهه تخوفٌ ما، لذلك من يعملون على موضوع البودرة حالياً عددهم قليل جداً، وهناك احتياج لماكينات خاصة من الخارج، وفي مركز الحجر والرخام تم التوصل لهذه الفكرة بمساعدة خبير ايطالي.
مشكلة مع الجهات المختصة
تقول م. سدر أن هناك 600 مصنع منتج لهذه البودرة، والعدد الكلي يقدر بـ 1200 منشأة ومحجر وكسارة، وبالتالي الإنتاج كبير ويحتاج حلولا جذرية من قبل الجهات المختصة.
وتؤكد م. سدر على أهمية دور وزارة البيئة تحديدًا، والتي لا تضع حدودا لكميات المخلفات المسموح إنتاجها شهريا، ووضع غرامات على تجاوز هذه الكميات، وهذه التعليمات تجعل المنشآت شريكة في البحث عن الحلول، وتدفعها لشراء معدات مخصصة لهذا الأمر.
وفي غياب هذا الإجراء، يتطلب أن يكون هناك مسؤولية مجتمعية من قبل هذه المصانع للبحث عن حلول لتخفيف المخلفات، فالمصانع يفترض أن يكون لديها أداة لفصل المياه عن البودرة، وهذه وسيلة جيدة لاستغلال المياه بدلا من هدرها، إضافة لميزة الحد او التقليل من انتاج البودرة الملوثة. تقول م. سدر
مقترحات وحلول
ويرفض ماهر حشيش المدير التنفيذي لاتحاد صناعة الحجر والرخام التعامل مع هذه الصناعة بالآلية المطروحة باعتبارها مصدرا للتلوث البيئي، فهي أولا صناعة استراتيجية لها وزنها ودورها الاقتصادي، فالقطاع يشغّل عشرات آلاف العمال، ويشكل 40% من حجم الصادرات الوطنية، فالأهمية اقتصادية واجتماعية، ويجب تناوله في إطار التنمية المستدامة.
ويشير الى أن هناك العديد من الجهات الحكومية التي تمارس الدور الرقابي، لكن لا يوجد الشق التنموي في دور الحكومة المطروح.
ويقول: "إذا أردتم كحكومة أن نسير معا ضمن تنمية مستدامة فعلينا أن نبذل الجهود جميعا لتطوير هذا القطاع والحد من الآثار السلبية، فأي قطاع صناعي له مخلفات ذات آثار سلبية، ولكن يجب البحث في آلية للحد منها وليس في مهاجمة القطاع، وبالتالي نطالب بتنميته وفق مفهوم التنمية المستدامة، ومن جهتنا لن نوفر جهداً من أجل التعاون مع مراكز الابحاث المحلية والخارجية في إيجاد حل لهذه الملوثات".
ويشير المهندس أمجد إبراهيم من سلطة البيئة، أن مناشير جديدة تستخدم عصّارات مصدرها ايطاليا، مهمتها ضغط المخلفات لتفصل المياه عن البودرة بحيث يتم الاستفادة من المياه كونها غالية السعر لأغراض مختلفة، وكذلك يمكن استغلال البودرة في مواد البناء، وهذا أمر ايجابي.
بينما قال حشيش أن الاستخدامات المطروحة في دراسات حديثة صدرت لم تدخل حيز التنفيذ كاستخدامات اقتصادية كبيرة، على الرغم من وجود دراسات تقترح استخدامها في الكثير من الصناعات، مثل صناعة البلاستيك والأنابيب البلاستيكية، ودراسات أخرى تقترح استخدام هذه المخلفات في صنع منتجات للصناعات الإنشائية مثل الروبة والبودرة والدبق والأرضيات العازلة، والقصارة أيضا.