الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
28 تشرين الثاني 2017

قصور حاد بالسلامة المهنية بغزة: مدورو البطاريات مثالا صارخا

يعمل الكثير من العمال في قطاع غزة في ظروف يغيب عنها ظروف السلامة المهنية. وتعد مهنة تدوير البطاريات التي انتشرت في القطاع كبديل للطاقة مثالا صارخا إذ يصاب أصحاب هذه المهنة بأمراض عدة تتراوح بين التسمم بالرصاص والفشل الكلوي والعجز الذهني

\

غزة- اسلام راضي- بوابة اقتصاد فلسطين

يعمل الخمسيني أبو عوني علون في مجال تدوير البطاريات منذ 12 عاما في غزة وسبب له ذلك مضاعف صحية متعددة وسط غياب الحد الأدنى من إجراءات السلامة المهنية والمراقبة الحكومية.

أمراض بالجسد من البطاريات

ويشتكى علون من أنه يعاني من خدر عام في جسده نتيجة التشبع بالرصاص الناتج عن البطاريات بالإضافة إلى إصابته بغضروف أسفل ظهره، كما تظهر له أحيانا كتلة متحركة تحت الجلد لا يقوى على الحركة عند ظهورها من شدة الألم.

ويختص عمل علوني بإعادة تدوير بطاريات المستخدمة والتالفة وتكمن الخطورة في ذلك في صهر ألواح الرصاص وانبعاث الغازات السامة الناتجة من تلك البطاريات ما يسبب مخاطر صحية وبيئة كبيرة.

ويقول علون لموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، إن الرصاص عندما يتم صهره في البطاريات القديمة ينبعث منه بخارا أبيض يؤدي إلى ترسب الرصاص في الدم ويتركز بشكل خطير في المفاصل من الجسم.

ويوضح أن صهر قطع الرصاص يستوجب درجة حرارة عالية لذلك يضطرون إلى إغلاق نوافذ وباب الورشة للحفاظ على حرارة المكان لكن ذلك يؤدي إلى ازدياد التلوث واستنشاق الرصاص.

ويلفت علون إلى أنه لم يكن على علم بكل مخاطر مهنته إلا عندما ساءت حالته الصحية كما لم يسبق له أن جرب أي وسائل وقاية، وهو على ما أصابه يقول إنه لم يترك المهنة حتى الآن بسبب أنه لا يملك مهنة أخرى لتوفير قوت عائلته.

وازدهر عمل ورش تدوير وتصنيع البطاريات في قطاع غزة عقب فرض الحصار الإسرائيلي المشدد منتصف عام 2007 وتفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي واستخدامها كبديل للطاقة.

ودفع انتشار الاعتماد على البطاريات بانتشار العشرات من ورش إعادة تدوير البطاريات التالفة في القطاع، فيما تدفع الحاجة عشرات الفنيين والعمال لممارسة المهنة رغم خطورتها في ظل معدلات الفقر والبطالة القياسية.

مختصون: المئات مصابون بالأمراض

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية أجرى أطباء أعصاب ومختصون في علوم البيئة في غزة دراسة حول أخطار عملية صهر الرصاص الناتج عن تدوير البطاريات.

ويقول طبيب الأعصاب محمد أبو ندى أحد القائمين على الدراسة لموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، إنهم أثبتوا إصابة المئات من العمال وحتى الأطفال في محيط ورش تدوير البطاريات بتسمم الرصاص والذي يتسبب بعدة أمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي وترسب الدم والعجز الذهني.

ويوضح أبو ندى أن العاملين في تدوير البطاريات يصابون بمرض تسمم الرصاص -المادة الرئيسة المكونة للبطارية- الذي يعرف بأنه من أنواع التسمم المعدني الناجم عن تراكم الرصاص في الجسم عن طريق التنفس أو الابتلاع، ويعتبر الدماغ هو أكثر الأعضاء حساسية وتضرراً منه.

ويشير إلى أن أعراض التسمم تشمل آلاما في البطن والصداع والتهيج ومشاكل الذاكرة وقد تصل للتشنجات والتخلف العقلي والعقم، مؤكدا أن كل العاملين في مجال تدوير البطاريات مصابون بنسب متفرقة من تلوث بالرصاص في ظل انعدام شروط السلامة المهنية.

غياب السلامة المهنية: 11 مفتشا في القطاع!

وتعد معاناة العمال في قطاع غزة أمرا شائعا بالنظر إلى غياب كبير لإجراءات السلامة العامة والقصور الحاد في توفيرها. وقبل أيام قضى عامل في مطلع العشرينات من عمره داخل مصنع محلي بعد أن سقطت رافعة حديدية على رأسه مباشرة.

ويقول رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين سامي العمصي في غزة لموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، إن "إجراءات الصحة والسلامة المهنية في القطاع للعمال مهملة جدا ما يؤدي للأسف إلى حوادث موت وإصابة متكررة".

ويشير العمصي إلى أن أبسط قواعد السلامة المهنية مفقودة داخل منشآت البناء والورش والمصانع وحتى محطات تعبئة الغاز في قطاع غزة ما يجعل العمال ضحية سهلة للإصابة بأمراض خطيرة.

ويحمل في ذلك المسئولية الى وزارة العمل التي يقول إن لديها 11 مفتشا فقط يعملون في قسم التفتيش والسلامة المهنية المسئول عن مراقبة عمل آلاف المنشآت العاملة في قطاع غزة.

وينبه إلى مخاطر واقع الآليات المهترئة في قطاع غزة وما تحمله من مخاطر على العمال، مشددا على أن "غياب الرداع والتجريم يجعل المخطئ والمقصر في توفير عوامل السلامة المهنية مستمر دون رقابة".

كما يشير إلى تقصير لدى أصحاب المنشآت في التعامل مع أهمية توفير إجراءات السلامة المهنية على أهميتها البالغة، موضحا أن الاتحاد أجرى حديثا مسحا أظهر أن 90% من المنشآت العاملة في قطاع غزة تفتقد لعوامل السلامة والصحة المهنية.

وبحسب العمصي فإن قطاع غزة شهد منذ العام 2010 حتى اليوم 45 حالة وفاة لعمال أثناء مزاولة عملهم إلى جانب نحو ألف حالة إصابة، مبرزا في الوقت ذاته وجود حالات يتم التغاضي عن تسجيلها رسميا سواء من أصحاب المنشآت أو بإهمال من العمال بحقوقهم.

"العمل": نأمل تحسن الواقع بعد المصالحة

في المقابل يؤكد المهندس ماجد مهدي مدير دائرة السلامة المهنية بالإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل في وزارة العمل في غزة لموقع "بوابة اقتصاد فلسطين"، أن الوزارة تحاول القيام بدورها بالحد من الأمراض والإصابات المهنية.

ويقول مهدي إن الوزارة أجرت خلال العام الجاري متابعة إجراءات 125 إصابة عمل ومتابعة احتساب مستحقات مالية كتعويضات عن حوادث عمل بقيمة أكثر 760 ألف شيقل، إلى جانب القيام بزيارات تفقدية إلى أكثر من 30 ألف منشأة وتنفيذ 101 إنذار و10 محاضر ضبط وإغلاق 5 منشآت والتعامل مع 527 شكوى عمالية.

لكنه يشتكى من ضعف البيئة القانونية والقدرة على الإشراف والمتابعة لإجراءات العمل وفق القانون بالحد من الأمراض المهنية التي قد تلحق بالعمال بسبب عدم اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة للسلامة من صاحب العمل.

ويشير مهدي إلى أن الوزارة تعمم دوريا على المنشآت ضرورة ارتداء كل عامل الزي والمعدات الوقائية اللازمة للحفاظ على صحته واطلاعه على المشكلات الصحية التي قد تصيبه بسبب إهماله لارتدائها أو عدم اكتراثه لذلك.

ويضيف أنه بسبب قلة الوعي من قبل العمال في بعض المنشآت أو بسبب عدم توافر المعدات اللازمة بتقصير من صاحب المنشآت قد يعرض العامل للمخاطر الطبيعية أو الكيماوية أو الميكانيكية أو البيولوجية أو غير ذلك.

ويشدد مهدي على أنهم يسعون للوصول إلى أفضل معدلات بيئة عمل آمنة "رغم قلة عدد المفتشين الموجودين حاليا بالوزارة وأملنا أن يزيد عددهم بعد تحقيق المصالحة"، مع ضرورة قيام النقابات والاتحادات المهنية بدورها لدعم ذلك.

مواضيع ذات صلة