الرئيسية » في دائرة الضوء »
 
31 تشرين الأول 2017

استصلاح الأراضي: أهمية اقتصادية ووطنية لليوم والمستقبل

كثيرة هي فوائد استصلاح الأراضي على المدى القصير والبعيد، فمن خلالها، يتم خلق فرص عمل وترتفع أسعار الأراضي إضافة إلى ان للاستصلاح قيمة وطنية في حمايته للأراضي خاصة في المناطق المصنفة "ج" التي تستحوذ على 64 في المئة من مساحة الضفة الغربية

\

الصورة: المزارع علي العمايرة من الخليل يروي تجربته في استصلاح الأراضي لواحدة من البرامج المعنية في دعم هذه المشاريع

الخليل- ساري جرادات- بوابة اقتصاد فلسطين

مع مواصلة الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة الأراضي والمياه تبقى عملية الاستصلاح من أفضل الحلول لحماية الأراضي والحفاظ على هذا القطاع الحيوي الذي يخلق الكثير من فرص العمل إضافة إلى أنها تبقى طريقة هامة لمن يريدون الاستفادة من أراضيهم المليئة بالصخور.

و"الاستصلاح" هي عملية يتم من خلالها تهيئة الأراضي غير القابلة للزراعة لتصبح قابلة للزراعة، من خلال إزالة العوائق والموانع مثل الصّخور المتحركة، وعمل جدران استنادية (مصاطب)، بهدف الحصاد المائي لمنع انجرافات التربة، بحيث لا يزيد الانحدار عن 20 بالمئة والصخور عن 40 بالمئة.

أهمية الاستصلاح

وتراجعت الزّراعة في فلسطين لعدة أسباب، منها: مصادرة الأراضي من قبل الاحتلال الإسرائيلي لإقامته المستوطنات وجدار الضم والفصل العنصري، إضافة إلى تحول الفلسطينيين للعمل في إسرائيل والمستوطنات بسبب ارتفاع الأجور، وأيضا انخفاض العائد المادي من الزّراعة مقارنة بقطاعات أخرى كالصناعة ومقالع الحجر خاصة مع إغراق أسواقنا بالمنتجات الزّراعية الإسرائيلية.

ولعل أبرز التّغيرات تظهر في تراجع مساهمة الزّراعة في النّاتج المحلي الإجمالي من حوالي 50 في المئة قبل عام 1967 إلى 37 في المئة في السّبعينات ثم تراجعت لـ 22 في المئة في الثمانينات إلى تدهور واضح ليصل إلى 5.6 في المئة للعام 2015.

ولمعرفةِ أهميةِ الاستصلاح الزّراعي زارت "بوابة اقتصاد فلسطين" المزارع محمد الزبيدي (38 عاما) في بلدة سعير شمال الخليل. وهناك، عرض الزبيدي صورا لأرضه وهي صحراء قاحلة ومرتعا للأفاعي والحيوانات لتتحول بعد استصلاحها بالتّعاون مع مديرية الزّراعة في المحافظة إلى حديقة طبيعية تسر النّاظرين.

وتضم أرض الزّبيدي البالغة مساحتها تسع دونمات تقريباً، 130 زيتونة، وحوالي 300 شجرة عنب. كما أنه حفر بمعية أشقائه بئراً للماء فيها لريّ مزروعاته تلك، بالإضافة لبعض الأعراس البعلية من البندورة والفقوس التي يزرعها حسب الموسم والفصل السّنوي، ليتفرغ لها بعدما أعياه الخوف والقلق جراء عمله داخل أرضي 48.

وطالب الزّبيدي كافة الجهات التي تعنى بالمزارعين بشق مزيد من الطّرق الزّراعية وآبار الجمع، والوصول إلى مناطق البّرية ذات المساحات الشّاسعة من أراضي محافظة الخليل، مشيراً إلى ضرورة دعم وتعزيز صمود المزارعين في أراضيهم، وتوفير مقومات البنية التّحتية لهم، للوصول لاقتصاد وطني قادر على مواجهة التّحديات.

بدوره، قال مدير مديرية زراعة محافظة الخليل المهندس أسامة جرار ل "بوابة اقتصاد فلسطين" إلى أن عملية استصلاح وتأهيل الأراضي وتجهيزها للزراعة لعبت دوراً رئيسياً في تكوين النّاتج المحلي الفلسطيني عبر فترات زمنية طويلة، كونه قطاع حيوي ساهم في توفير العمل والغذاء للشعب الفلسطينيّ.

وقال المهندس جرار: وجدنا حاجة كبيرة من قبل المواطنين لاستصلاح أراضيهم، وان الغالبية العظمى منهم تقوم بالعمل الزراعي وحماية أرضهم بشكل فوري بعد الانتهاء من تجهيزها لاستقبال النّباتات والبذور، ما يعني استيعاب جزء كبير من العاملين فيها ودعم الاقتصاد الوطنيّ وتثبيت الأرض وحمايتها من المصادرة والاستيطان.

ووفقا لخبراء فان عملية الاستصلاح تعتبر من المشاريع المجدية لخلق فرص عمل في مجال الزّراعة إذ يولد استصلاح دونم واحد 20 فرصة عمل مؤقتة كما يؤدي حفر آبار مياه جمع الأمطار بكمية مئة متر إلى خلق حوالي 80-100 فرصة عمل.

ولا يعتمد "الاستصلاح" على توفير عمل للمزارعين فقط إنما يشغل القطاع الخاص من خلال جرف الأراضي لتصبح مهيأة للزراعة وأيضا عبر شراء وزراعة المشاتل في الأراضي المستصلحة. ومن أهميتها الوطنية: المساهمة في تخفيف الأيّدي العاملة الفلسطينيّة في إسّرائيل حيث يؤدي الاهتمام في الأرض وخلق الرّزق من خلالها إلى رجوع العمال ممن يملكون أراضٍ إليها ولو بعد مدّة طويلة. ناهيك عن رفع أسعار الأراضي لزيادة قيمتها بعد استصلاحها وهو ما ينمي الشعور بأهمية الأراضي في المستقبل وعدم التّخلي عنها لدى كافة المواطنين.

ووفقا لدراسات عدة أشارت إلى أنه لو تم استصلاح واستغلال المساحات الشّاسعة للأراضي الفلسطينيّة لحققت فلسطين نوعا جيدا من الاكتفاء الذّاتي لمواطنيها، رغم أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على 82% من مصادر المياه و62% من الأراضي، ويتحكم بكل منافذ الحياة للمواطنين، وتجاوز ذلك إلى قيامه بمصادرة الأراضي لبناء جدار الفصل العنصري وبناء المستوطنات.

 دعم حكومي: الخليل مثالا

وعلى الصّعيد الحكومي، أكدت وزارة الزّراعة في محافظة الخليل أن المديرية تعمل حاليا على أربعة مشاريع لاستصلاح الأراضي الزراعية.

وأضاف مدير الدائرة الفنية في مديرية زراعة الخليل المهندس فضل المحاريق لمراسلنا ان مديرية زراعة الخليل تعمل حالياً على أربعة مشاريع في استصلاح الأراضي، وهي: الإدارة المستدامة الذي ينفذه مركز أبحاث الأراضي واتحاد لجان العمل الزّراعي وبإشراف مديرية الزراعة في بلدتيّ سعير وترقوميا، ومشاريع في بلدات إذنا والدويرة والطيبة، والتحضير لإطلاق مشروع "صمود" في محافظة الخليل.

وأضاف، أن الوزارة ماضية في مشروع تحضير أراضي فلسطين ضمن إستراتيجيتها حتى العام 2022، والعمل على إنشاء السدود والآبار الارتوازية.

وبين المحاريق  "بوابة اقتصاد فلسطين" إلى أن العمل جار على إنشاء سد للمياه يستوعب 150 ألف كوب من المياه في منطقة بني نعيم، ومشروع خزان بيت الرّوش سيستوعب 100 ألف كوب، من مياه الأمطار، لسد حاجات القطاع الزراعي من الماء.

المعيقات

ولفت المحاريق إلى أن ابرز العوائق التي تواجه جهود القطاعين الخاص والحكومي في استصلاح الأراضي الزراعية هي سياسات الاحتلال الساعية إلى منع استصلاح الأراضي الزراعية، وبخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها (مناطق ج)، واعتداءات المستوطنين المتكررة على المزارعين ومحاصيلهم الزراعية المزروعة في الأراضي المستصلحة.

اتفق المهندس الزّراعي إبراهيم أبو عياش من اتحاد لجان العمل الزراعي مع سابقه حيث أشار إلى أن محاولات الاحتلال المتكررة منع مهندسي الاتحاد من العمل في المناطق المحاذية لجدار الفصل العنصري والمستوطنات، ومحاولات ما يسمى "الإدارة المدنية"، الذراع الحاكم لجيش الاحتلال في مدن الضفة الغربية مصادرة معدات زراعية للاتحاد.

وطالب أبو عيّاش بزيادة وتيرة العمل في الأراضي القريبة من المستوطنات لحمايتها ومنع مصادرتها، وفضح انتهاكات سلطات الاحتلال بالأراضي الزراعيّة والمزارعين، والمساهمة في زيادة قدرة المزارعين على التأقلم وتحمل ظروف التغير المناخي والجفاف من خلال إدارة موارد المياه والأراضي وتطويرها، ومعالجة انجراف التربة.

وقامت مديريات زراعة محافظة الخليل والمؤسسات العاملة في القطاع الزّراعي خلال العاميّن المنصرميّن باستصلاح وتأهيل حوالي 3000 دونم من الأراضي غير الصالحة للزراعة في المحافظة، وبلغت نسبة أراضيها المزروعة حوالي 14% من نسبة مساحتها الكلية.

وأظهر تحليل استعمالات الأراضي والغطاء النباتي باستخدام نظم المعلومات الجغرافية وصور الأقمار الصناعية لعام 2014 بان المساحة الكلية لمحافظة الخليل حوالي 1,067,539 دونما، منها 530,632 أراض زراعية، حيث تعتبر أشجار الفاكهة والخضروات والمحاصيل الحقلية والعلفية من أهم المزروعات المنتشرة في المحافظة.

وأشار التّحليل إلى أن مساحة المناطق الزّراعية حوالي 300 كم2 تقريباً، وهي مناطق زراعية بعلية في معظمها، وتحتل محافظة الخليل أكبر مساحة مزروعة بالمحاصيل الحقلية بين المحافظات الفلسطينية، بنسبة 4.25 % من مجموع المساحة المزروعة بالمحاصيل الحقلية في الأراضي الفلسطينية.

وعلى مستوى الوطن، تبلغ مساحة الأراضي المزروعة حوالي 1.8 مليون دونم فيما تبلغ الأراضي القابلة للاستصلاح حوالي مليون دونم.

مواضيع ذات صلة