نمو اقتصادي سلبي وغياب للفرص في أسواق غزة
تدهور خطير طرأ على الاقتصاد الغزي ذو المُعطيات المنخفضة أصلًا، وذلك يؤشر على حالة الاقتصاد الصعبة. وأن تواصل التدهور في مُعدّلات تشغيل النساء والشبيبة، يدل على حدوث نمو سلبي وغياب الفرص.
يؤشر الارتفاع الحاد لمعدلات البطالة في قطاع غزة، إلى حالة اقتصادية صعبة، تدهور على إثره سوق العمل، الذي وصل إلى أسوأ مستوياته، بدرجة لم يبلغها من قبل.
وبرهنت تقارير وبيانات وإحصاءات اقتصادية محلية ودولية بالخصوص على ذلك ببيانات وأرقام تفصيلية، دللت كذلك على حدوث نمو سلبي وغياب فرص العمل في صفوف الطبقات المتضررة من ذلك.
ورغم قتامة المشهد في سوق العمل الغزي، إلا أن الشاب سلامة سلامة (32 عاما)، يحلم في أن يضع نجاح المصالحة الوطنية حداً لعمله في الأشغال الشاقة، التي يتجاوز عمله يوميا فيها، 14 ساعة عمل مقابل أجر لا يتعدى 50 شيقلا يومياً.
سلامة مهندس حاسوب، ترك العمل في تخصصه قبل نحو العامين، بعد أن أغلق محل الحاسوب الذي كان يمتلكه في خان يونس جنوب قطاع غزة، وتوجه نحو العمل في مجال البناء "الطوبار"، كي يوفر حاجات عائلته اليومية.
ويبتهل سلامة، لله من خلال دعواه في كل صلاة، أن تنجح المصالحة، كي ينتهي حصار قطاع غزة وتتولي الحكومة مهامها الفعلية في قطاع غزة، ما يشجع المستثمرون على الاستثمار، ويوفر فرص عمل جديدة، وتعمل الحكومة على توفير وظائف جديدة، حينها سيعود للعمل في مجال تخصصه ويضع حداً للأشغال الشاقة التي يعمل بها يوميا. لأنه ما من سيبل أمامه سوى هذا العمل، في ظل وجود آلاف الخريجين وآخرين مثلهم من العمال عاطلين عن العمل.
ويواجه مئات الآلاف من الشباب والعمال، وفق التقارير الاقتصادية، خاصة خريجي الجامعات والمهنيين، شبح البطالة ما يجعلهم غير قادرين على وضع مهاراتهم التي تعلموها في ميدان التطبيق. في ظل ما طرأ من تدهور حاد في سوق العمل في قطاع غزة، والذي وصل إلى أسوأ مستوياته، وما لازم ذلك من ارتفاع مُعدّلات البطالة في قطاع غزة بشكل حاد، ما يؤشر إلى حالة الاقتصاد الصعبة، ويدل على حدوث نمو سلبي وغياب الفرص.
وفي ذلك، جاء في نتائج الإحصاء الفلسطيني حول النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول 2017، دورة ( كانون ثاني – آذار، 2017)، أنه بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية 369,800 شخص، بواقع 206,800 في قطاع غزة مقابل 163,000 في الضفة الغربية. وأنه ما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ في قطاع غزة 41.1%، مقابل 18.8% في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ 21.9% للذكور مقابل 46.6% للإناث.
ووفق ذات البيانات، فقد سُجلت أعلى معدلات بطالة للفئة العمرية 20- 24 سنة حيث بلغت 44.3% في الربع الأول 2017. أما على مستوى السنوات الدراسية، فقد سجلت الإناث اللواتي أنهين 13 سنة دراسية فأكثر أعلى معدلات بطالة حيث بلغت 51.5% من إجمالي الإناث المشاركات في القوى العاملة لهذه الفئة. وأنه انخفض عدد العاملين في السوق المحلي من 869,700 عامل في الربع الرابع 2016 الى 857,300 عامل في الربع الأول 2017، اذ انخفض العدد في الضفة الغربية بمقدار 12,400 عامل، في حين لم يطرأ اي تغيير على عدد العاملين في قطاع غزة لنفس الفترة.
وكان "الإحصاء" استعرض أوضاع الشباب في المجتمع الفلسطيني، عشية اليوم العالمي للشباب، يوم 12/08/2017، مبينا أنه بلغ معدل البطالة بين الشباب (15-29) سنة 40% من بين الشباب المشاركين في القوى العاملة، وقد سجل أعلى معدل للبطالة بين الأفراد في الفئة العمرية (20-24) سنة بواقع 44% مقابل 36% بين الأفراد (25-29) سنة.
وذكر أنه بلغ معدل البطالة بين الخريجين الشباب 53% خلال الربع الاول 2017 (36% للذكور و69% للإناث)، ليسجل الخريجون من تخصص العلوم الطبيعية أعلى معدل بطالة إذ بلغ 70% (48% للذكور و78% للإناث)، بينما سجل الخريجون من تخصص الصحة أدنى معدل بطالة إذ بلغ 32% (19% للذكور و49% للإناث). وبلغ معدل البطالة بين الخريجين الشباب 53% خلال الربع الاول 2017 (36% للذكور و69% للإناث)، ليسجل الخريجون من تخصص العلوم الطبيعية أعلى معدل بطالة إذ بلغ 70% (48% للذكور و78% للإناث)، بينما سجل الخريجون من تخصص الصحة أدنى معدل بطالة إذ بلغ 32% (19% للذكور و49% للإناث).
على ذلك، قال تقرير للخبير الاقتصادي ومدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة ماهر الطبّاع: إن الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عشر سنوات أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة التي اعتبرتها مؤسسات دولية الأعلى عالميا، وإن فرص العمل للخريجين والشباب أصبحت معدومة، حتى على صعيد المؤسسات الدولية فالعديد منها قلصت مشاريعها في قطاع غزة واستغنت عن العديد من الكفاءات الفلسطينية والتي أصبحت بلا عمل.
وأضاف التقرير، أنه بالرغم من كل ما يعانيه القطاع الخاص الفلسطيني فهو يعتبر المشغل الرئيس للعمالة في فلسطين، لافتا الى أن نسبة العاملين في القطاع الخاص بلغت 66.3% في فلسطين في العام 2015 مقارنة مع 65.4% في العام 2014، وبلغت النسبة في قطاع غزة 63.1% في العام 2015 مقارنة مع 58.5% في العام 2014.
وبين أن التفاوت ما زال كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ المعدل 41.7% في قطاع غزة مقابل 18.2% في الضفة الغربية، كما بلغت نسبة الشباب العاطلين عن العمل في فلسطين في الفئة العمرية (20-24 سنة) 43.2% في العام 2016، وبلغ معدل البطالة بين فئة الشباب في فلسطين 32.3% بواقع 22.5% في الضفة الغربية، و50.6% في قطاع غزة، ويبقى معدل بطالة الشباب في فلسطين الأعلى في المنطقة.
وأشار إلى أن تذبذب معدلات البطالة في قطاع غزة بين الهبوط النسبي البسيط والارتفاع خلال سنوات الحصار في المجمل العام، وفي الأنشطة الاقتصادية المختلفة وذلك طبقا لحالة حركة المعابر التجارية ودخول الواردات.
وفي ذات السياق، أورد تقرير لـ"الأونروا"، تقرير الوضع الطارئ (الإصدار رقم 197)، أنه في في الربع الأول من عام 2017، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وقف معدل البطالة في غزة عند 41.1%، وتعتبر هذه النسبة من أعلى المعدلات في العالم. حيث يؤدي ارتفاع نسب البطالة إلى ازدياد حالة الضعف بين الناس فيما يخص انعدام الأمن الغذائي ويُضعف بشكل كبير من قدرتهم على مواجهة الصدمات الاقتصادية التي يتعرضوا لها، كما أنها تسلبهم فرصة توفير الإعالة لهم ولعائلاتهم مما يفقدهم الإحساس بالكرامة وتقدير ذاتهم.
وعن ذلك، أشار تقرير أصدره البنك الدولي في ايلول الماضي حول رؤية جديدة للاقتصاد الفلسطيني، إلى أن المكاسب الاقتصادية والاجتماعية قد تكون هائلة بحلول عام 2025، حيث من الممكن ان يصل معدل النمو السنوي 6% في الضفة الغربية و 8% في قطاع غزة، مما قد يسفر عن توفير 50 ألف فرصة عمل جديدة في الضفة الغربية، و 60 ألفا في قطاع غزة.
وبين أن رفع الحصار المفروض على غزة، من شأنه أن يفتح المجال أمام حركة التجارة شديدة الأهمية اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية لغزة واقتصادها، وتحسين الأوضاع المعيشية السيئة للغاية الحالية للسكان. محذراً من أن عدم معالجة أزمة الوظائف المتفاقمة سيؤدي إلى زيادة نسبة البطالة المرتفعة بالفعل بين الشباب والبالغة 42%، وسيؤدي التقاعس عن اتخاذ ما يلزم إلى أن يصبح نحو نصف القوى العاملة في قطاع غزة بدون عمل بحلول عام 2025. حيث قد تؤدي نسب البطالة العالية الى الاستياء والإحباط، وما هو أسوأ من ذلك. وهذا ليس في مصلحة أحد".
على ذلك، قالت جمعية "چيشاه–مسلك"، (مركز للدفاع عن حريّة التنقل– هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية)، في تقرير لها نهاية الشهر الماضي، إنه خلال الربع الثاني من العام الجاري، طرأ تدهور حاد في سوق العمل في قطاع غزة، الذي وصل إلى أسوأ مستوياته منذ انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية "الجرف الصامد". وإن مُعدّلات البطالة في قطاع غزة ارتفعت بشكل حاد وبلغت 44 في المئة، وذلك مقارنة مع 41.1 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري.
وأورد التقرير أنه في أوساط النساء فقد ارتفعت مُعدّلات البطالة من 67.4 في المئة إلى 71.5 في المئة في الربع الأخير. وفي المقابل، ارتفع أيضًا مُعدّل البطالة في أوساط الرجال من 32.7 في المئة خلال الربع الأول، إلى 36.2 في المئة خلال الربع الثاني.
وأضاف أنه تم تسجيل ارتفاعًا مماثلًا لدى الشباب من الفئات العمرية 15 وحتى 29 عامًا من المشاركين في القوى العاملة، وارتفع مُعدّل البطالة في أوساطهم من 56.9 في المئة في الربع الأول، إلى 61.9 في المئة خلال الربع الثاني. وأن الفترة السابقة التي بلغت فيها مُعدّلات البطالة بهذه الحدّة كانت مع مطلع العام 2014، حين أوقفت إسرائيل بشكل تام دخول مواد البناء إلى غزة مما أدى إلى شلّ قطاع البناء هناك.
وجاء في التقرير انه في هذا الربع من العام أيضًا، يعود السبب الرئيسي في الارتفاع الحاد في مُعدّلات البطالة على ما يبدو إلى الانخفاض الحاد في عدد العاملين في قطاع البناء. حيث عمل في هذا القطاع خلال الربع الأول 20,472 عاملاً وعاملة، أما عدد هؤلاء اليوم فقد انخفض إلى 15,484. كذلك، فقد حلّ في هذا الربع شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، الأمر الذي أدى أيضًا إلى انخفاض في حجم ساعات العمل.
وأكد أن هذا التدهور الخطير الذي طرأ خلال فترة زمنية قصيرة كهذه، على المُعطيات المنخفضة أصلًا، يؤشر على حالة الاقتصاد الصعبة. وأن تواصل التدهور في مُعدّلات تشغيل النساء والشبيبة، يدل على حدوث نمو سلبي وغياب الفرص.
محمد أبو فياض