على عكس السائد: الشباب يتزوجون باكرا بالخليل، لماذا؟
رغم الاوضاع الاقتصادية الصعية السائدة في الضفة الغربية لكن الخليل تعد من أعلى المحافظات التي يتزوج فيها الشباب باكرا مقارنة بنظرائهم في المحافظات الأخرى
صورة لحفل حناء، وهو تقليد فلسطيني قبل ليلة العرس
الخليل- ساري جرادات- بوابة اقتصاد فلسطين
في السابق، كانت عادة الزواج المبكر موجودة بكثرة في مجتمعنا .لكن، مع زيادة الوعي وتفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية صارت هذه العادة تتلاشى تدريجيا إذ صار الشاب يعاني كثيرا حتى يستطيع أن يؤمن تكاليف زواجه.
غير أن محافظة الخليل تتميز بظاهرة الزواج المبكر مقارنة بالمحافظات الأخرى، فليس غريبا أن يطلق البعض، على سبيل المزاح، على الشاب في المحافظة ممن تجاوز الـ25 عاما بـ "الباير" ويطلقون كثيرا على الفتيات اللواتي تجاوزن سن الـ "22" بأنهن عوانس. كلام حتى وان ورد في سياق المزاح من البعض لكنه يعكس حقيقة ما تزال موجودة في مجتمعنا: الزواج المبكر.
وفقا لمعطيات الجهاز المركزي للإحصاء فقد بلغ عدد السكان في فلسطين نهاية 2016 حوالي 4.88 مليون فرد، منهم 2.48 مليون ذكر بنسبة 50.8% و2.40 مليون أنثى بنسبة 49.2%، وحوالي 11.0% من الأسر الفلسطينية ترأسها نساء، بواقع 12.1% في الضفة الغربية و9.0% في قطاع غزة.
تشير المعطيات إلى أن أكثر من خُمس الأفراد (21.4%) تزوجوا دون 18 عاما. وحوالي 20.3% نسبة الزواج المبكر للإناث مقابل 1.1% للذكور. وعلى مستوى محافظات الضفة الغربية بلغت أعلى نسبة للزواج المبكر للإناث في محافظة الخليل بنسبة 36.2% من مجموع الإناث المتزوجات (في عمر أقل من 18 سنة) في الضفة الغربية. بينما يكثر الزواج المبكر في المحافظات الجنوبية في غزة بنسبة 40.8 في المئة.
ويجيز القانون الفلسطيني للشاب بالزواج عند بلوغه 15 عاما و6 أشهر و11 يوما بينما يسمح للفتاة بالزواج عند عمر 14 عاما و6 أشهر و21 يوما.
فيما عرفت وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" الزواج المبكر بأنه الزواج في سن أقل من الثامنة عشر، بينما يعرفه مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي الفلسطيني بأنه: زواج الفتاة قبل بلوغها السنة السابعة عشرة من عمرها.
* لماذا يتزوجون باكرا؟
يقول أستاذ العلوم المصرفية في جامعة الخليل، د. مجدي الجعبري، إن غالبية الشباب الذين يقدمون على الزواج المبكر أكثرهم من العاملين في مقالع الحجر، نظراً لتركهم مقاعد الدراسة في سن مبكرة، بذريعة تقديم العون والمساعدة والعمل في مصالح عائلاتهم التجارية.
وأضاف في حديث لبوابة اقتصاد فلسطن "تم التوصل من خلال رصد العديد من حالات الشباب الذي أقدم على الزواج بصورة مبكرة، قبل سن الثامنة عشرة من العمر، إلى تكوينهم ثروة مالية لا بأس بها، خاصة ممن يعملون في قطاع الحجر والرخام إذ يعتبر من أكثر القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني والعاملين فيه".
واعتبر الجعبري أن الارتفاع الكبير في تكاليف الزواج في الخليل لا يقف عائقاً أمام ذوي الشباب لتزويج أبنائهم نتيجة الأوضاع المالية الممتازة لهم.
وأثناء بحث "بوابة اقتصاد فلسطين" عن حالات لشباب تزوجوا في سن مبكرة، توصلنا لنتيجة أن العديد من الأبناء العاملين في مصالح ذويهم الاقتصادية يتزوجون في عمر مبكر، وهناك عائلات شبه كاملة أقدمت على تزويج أبنائها، خاصة من العاملين في قطاعي الحجر والرخام والأحذية.
المواطن فهمي محمد (44 عاما) من شمال الخليل قرر أن يزوج أبناءه الثلاثة بشكل منفصل قبل أن يتموا عامهم الثامن عشر، اقتداءً بنفسه، معتبراً أن عمل أبنائه معه وسيلة لزيادة أرباحه وضمان لتحقيق دخل امن لهم، ليصبح فهمي جَداً في بداية عقده الأربعين من العمر.
ويضيف فهمي الذي يملك ثلاث مقالع ومصنع للحجر والرخام، لـ "بوابة اقتصاد فلسطين":يعمل أبنائي الثلاثة معي في مصالحي الاقتصادية، بعدما تركوا مقاعدهم الدراسية في سن مبكرة، لتدني اهتمامهم بالتعليم، وباتوا منتجين وأصحاب مهن حرفية، ويدرون دخلاً شهرياً يقدر مجموعه ب 14 ألف شيكل.
ورداً على سؤال "بوابة اقتصاد فلسطين" للشاب محمد فهمي (21 عاماً) حول تفسيره لمعنى الزواج المبكر قال: من كان يمتلك القدرة على بناء عائلة وتحمل المسؤوليات فله الحق في ذلك، دون الالتفات إلى سن الزواج، معللاً تأخر وعزوف بعض الشباب عن الزواج نتيجة لأوضاعهم الاقتصادية وعدم توفر العمل الآمن لهم.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن الزواج المبكر يعني عددًا أكبر من الأطفال، ونسبة أعلى من الفقر، وفرص تعليم أقل للأطفال، ومهن غير متخصصة.
*تحولت لماكينة إنجاب
وهنا تشرح الشابة (ف .ز) البالغة من العمر 31 عاما معاناتها من الزواج المبكر "تزوجت قبل شهور من إتمام عامي السادس عشر، كل ما أعرفه عن الزواج بدلة بيضاء وكثير من المكياج والرقص، لينتهي بي الحال بعد أن تلاشت الروائح وذابت العطور عن جسدي إلى الوقوع في تحمل مسؤوليات لم أكن أعلم عنها شيء، رغم محاولاتي برفض زواجي المشؤوم".
وتضيف لمراسلنا "عشر سنوات من البكاء والعذاب الذي حولني إلى ماكينة للإنجاب والعمل المنزلي، كانت كافية لتنازلي عن أطفالي الثلاثة وكافة حقوقي، والتقيد بشروط أهلي المجحفة، قبل أن أنبعث من جديد متسلحةً بالعزم والإرادة نحو العمل والأمل".
ووفقا لمختصين فان الزواج المبكر يعتبر ظاهرة منتشرة في العديد من الأسر التي لا تؤمن بحقوق المرأة في إكمال تعليمها واختيار شريك حياتها، الناتج عن نقص الوعي لدى الكثير من أولياء الأمور والإناث والذكور بمخاطر الزواج المبكر وتبعاته الصحية والنفسية على الزوجين.
*مخاطر الزواج المبكر
أشار الأخصائي الاجتماعي رامي الطروة إلى أن الزواج المبكر يعني زيادة فرص الحرمان من التعليم، بسبب الانقطاع عن الدراسة، كما يعني نسبة عالية من الإنجاب، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على رب الأسرة وزيادة التكاليف المالية الواقعة على كاهله.
وأيضا، يلفت الأخصائي الاجتماعي "بوابة اقتصاد فلسطين" إلى أن خطورة الزواج المبكر تكمن في أن الطرفين لم يكونا في مرحلة النضوج والبناء، وبعد مرور سنوات يكتشف كلاهما أن طموحة ليس بهذا الشريك، ومن هنا تبدأ المشكلات وتكون النتيجة الانفصال وانهيار الأسرة.
ويشير الطروة إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على الحكومة والأفراد لما يترتب عن محاكم الطلاق من فرض للنفقة على الزوج، وتكفل الحكومة في أغلب الأحيان بدفع مستحقات من خلال وزارة التنمية الاجتماعية.
وأشار إلى أن الزواج في سنّ مبكرة يؤدي إلى الإصابة باضطرابات نفسية وسلوكية، وقد ينتج عنه صدامات وخلافات زوجية، إما نتيجة ارتباط العلاقة الزوجية بالألم أو بسبب المسؤولية الكبيرة التي تتجاوز قدرتها عند إنجاب الأطفال.
ولفت الطروة إلى أن الزواج المبكر يعرض أفراده للإصابة بالأمراض النفسية كالإكتئاب والتوتر والقلق والأرق والوسواس القهري، وينتج عن الاضطراب قرارات غير سليمة ومتزنة، فيقضي الزوجين جل وقتهم في البحث عن أشياء تلبي رغباتهم ونزواتهم مثل مشاهدة التلفاز أو الإسراف في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى مشاهدة الأفلام الإباحية.
بدوره، يرى الباحث الاجتماعي محمد شريف أن من أهم أسباب الزواج المبكر جهل الأهل وعدم إدراكهم للمشكلات التي تحدث لأبنائهم جراء الزواج المبكر، والفقر والميراث، وارتفاع أعداد البنات في الأسرة، والتسرب من المدارس، وجزء كبير من عادات وتقاليد بالية تسيء للمرأة، مثل المثل "دور لبنتك قبل لدور لابنك".
من جهته، كشف رئيس قسم النسائية والتوليد في مستشفى الخليل الحكومي الدكتور عمر الحلايقة "بوابة اقتصاد فلسطين" أن من أهم مخاطر الزواج المبكر تسمم الحمل نتيجة ارتفاع ضغط الدم أثناء فترة الحمل، وحدوث بعض المشكلات التي تؤدي إلى تأخر نمو الجنين، وحدوث تشنجات وغيبوبة.
وأضاف الدكتور الحلايقة لمراسلنا "يؤدي الزواج المبكر إلى الولادة المبكرة، حيث تقل نسبة استعداد الرحم لتحمل الجنين في السن المبكرة، مما يزيد من نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة، والأمهات، حصول تعقيدات أثناء الحمل والولادة المبكرة، وعدم القدرة على استكمال فترة الحمل.
وتشير دراسة سابقة صادرة عن مركز المرأة للإرشاد الاجتماعي أن 40،8 % من النساء اللواتي تزوجن في سن مبكرة عانين من مشاكل صحية بعد الزواج، ويتعرض الطفل المولود جراءه إلى الإصابة بالمرض، أو الإعاقة، أو الوفاة.
*السن المناسب للزواج
لفت الأخصائي الطروة إلى أن ثمة سمات شخصية تحدّد العمر الأمثل للزواج، وتكون الفتاة التي تجاوزت العشرين عاماً مهيّأة بدرجة كبيرة للارتباط الزوجي، إذ تبلغ في هذه المرحلة النضوج النفسي والصحي والاستقرار والقدرة على تحمّل المسؤولية، وتكتسب الخبرات اللازمة من البيئة المحيطة، خصوصاً بما يتعلّق بالعناية بالأطفال.