قطاع الأحذية يتدهور: حلول مقترحة لإنعاشه
يشهد قطاع الأحذية تدهورا ملحوظا وفقا لخبراء، ورغم مطالباتهم العديدة واقتراحهاتهم لحلول لانعاش هذا القطاع لكن ما تزال الاجراءات المتبعة على الأرض خجولة، وعلى وقع ذلك تبقى معامل تغلق أبوابها أو على الأقل تقلص عدد موظفيها نتيجة المنافسة الأجنبية
الصورة: عامل في الخليل يصنع الأحذية بطريقة تقليدية- المصدر "وفا"
الخليل- ساري جرادات- بوابة اقتصاد فلسطين
كثرة المناسبات الاجتماعية وبدء العام الدراسي في فصل الصيف التي يكثر فيها شراء الأحذية، لم تعد تشغل بال عبد الله الفروخ صاحب أحد معامل الأحذية في الخليل.
في هذه الأثناء يبلغ الفروخ من العمر 57 عاما، ويبدو أنه يودع معمله" أفكر في بيع ما تبقى لدي من معدات وآلات كنت أشغلها على مدار 18 ساعة يوميا منذ أن كان عمري 14 عاما". ويضيف " قبل عام 2000 كان المصنع يضم حوالي 30 عاملا بشكل ثابت، ومثلهم في فصل الصيف، ومع تذبذب الطلب على المنتج المحلي أصبح لدي 11 عاملاً".
يقول الفروخ لـ "بوابة اقتصاد فلسطين": أرباحي انخفضت بصورة كبيرة مقارنة بالتصنيع في الماضي، كان معملي ينتج أكثر من 170 زوج من الأحذية بشكل أسبوعي، أما اليوم فلا يتعدى الرقم 80 زوجاً أسبوعياً، ولا يطيب لي إغلاق معملي على الرغم من التراجع الكبير على إنتاجه، كوني نشأت وترعرت على هذه الصناعة، وورثتها لأبنائي.
ويحمل الفروخ القيود والشروط الإسرائيلية الموضوعة على حركة الاستيراد والتصدير، سواء للأحذية أو المواد الخام، والاستيراد العشوائي للأحذية، المسؤولية عن تراجع صناعة الأحذية المحلية، وإعاقة كافة أشكال البضائع المصنعة محلياً من أخد مكانها في الأسواق المحلية والعالمية، وتزييف بعض الأنواع على أنها مصنعة "إسرائيلياً"، لتصديرها للدول الأجنبية.
*أثر إلغاء إسرائيل الرسوم الجمركية على الأحذية: خطر يهدد منتجاتنا
عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي طوال الأعوام السابقة على وضع العقبات والعراقيل أمام مصانع الأحذية الفلسطينية المنتشرة في مدينة الخليل، وتعيق استيراد المواد الخام اللازمة للصناعة، تحت حجج وذرائع أمنية متعددة، بهدف منع الاقتصاد المحلي من التطور وتلبية حاجة مواطنيه، ومنع المصانع المحلية من مضاهاة إنتاج وجودة المصانع الإسرائيلية.
وبحسب وزارة الاقتصاد الوطني ، فان سلطات الاحتلال اتخذت مؤخراً قراراً يقضي بإلغاء الرسوم الجمركية البالغة 12 في المئة التي كانت تفرضها على الأحذية المستوردة، الأمر الذي يعني مزيداً من تراجع الإنتاج المحلي، وتوقعات بإغلاق مزيد من المعامل والورش والمعامل والمعارض، وارتفاع نسبة البطالة لعمال مصانع الأحذية إذ إن المنافسة الأجنبية ستؤثر على المحلية.
إقرأ أيضا: إسرائيل تلغي الرسوم الجمركية على الأحذية
ويبلغ عدد الورش والمعامل المصنعة للأحذية بحسب بيانات مديرة الاقتصاد الوطني في مدينة الخليل حوالي 300 معمل، وتشغل حوالي سبعة آلاف عامل، وتستدعي بعضها العمال بحسب حاجة الأسواق، فيما بلغ عددها قبل بداية الانتفاضة الثانية حوالي 1200 مصنع، كانت تشغل حوالي 32 ألف عامل.
*الكثير من الحلول مقترحة
قال مسؤول التجمع العنقودي لصناعة الأحذية والجلود محمد حسين لـ "بوابة اقتصاد فلسطين" يواصل أصحاب المشاغل والمصانع والتجار ضغوطهم من أجل النهوض بالوضع المتردي لمعاملهم، عبر الطلب من السلطة الفلسطينية وضع شروط وقيود على استيراد الأحذية الأجنبية، ومطالبة الجهات المسؤولة اتخاذ إجراءات صارمة على استيراد الأحذية.
وبين حسين لمراسلنا تقديم التجمع العنقودي قبل نحو عام دراسة شاملة إلى وزارة الاقتصاد الوطني عن أوضاع الصناعة المحلية في ظل الاستيراد غير المنظم على قطاع الأحذية، وتضمنت الدراسة مطالبات بضرورة العمل الجاد على الحد من الاستيراد وفسح المجال أمام الصناعة المحلية لمنع اندثار صناعة الأحذية.
وأضاف حسين "من شأن ضبط الجمارك والتعريفات الجمركية، وفرض التعليمات الفنية الإلزامية للمنتجات التي تباع في السوق المحلي سواء كانت مستوردة أو مصنعة محلياً، إعادة الاعتبار لهذه الصناعة التي غزت أسواق أجنبية مثل "الأردن والعراق والخليج العربي وأمريكا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة لكيان الاحتلال"، بفعل مطابقتها للمواصفات والمقاييس العالمية.
وطالب حسين الجهات الحكومية المختصة بمنع استيراد الأحذية بشكل كلي، لكنه قال إن وقوع العديد من المناطق والقرى الفلسطينية على خط التماس المباشر مع الاحتلال يجعل منها سوقاً سهلة لوصول الأحذية المستوردة، خاصة وأن الاحتلال يسعى دوماً إلى إضعاف وتيرة وقوام المنتجات الوطنية الفلسطينية.
وبحسب أرقام جهاز الإحصاء المركزي فان معامل الأحذية في الخليل تساهم ب 1% من الناتج القومي الإجمالي، وكانت تنتج في تسعينيات القرن الماضي من 9 إلى 12 مليون جوز في العام الواحد، وبحسب بيانات التجمع العنقودي فإنه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة تتراوح كمية الإنتاج بين 4 إلى 5 مليون جوز في العام الواحد.
إقرأ أيضا: 4 ملايين زوج أحذية تصنعها الخليل سنويا
بدوره، طالب أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، بكر اشتية، في حديثه لـ "بوابة اقتصاد فلسطين" مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية بحماية الأسواق المحلية من منتجات الأحذية الأجنبية المستوردة، معللاً ذلك أن العديد من المنتجات الأجنبية لا سيما الرخيص منها مضرة بالصحة والجلد نظرا لرداءتها، حسب الأبحاث التي أجريت على مكوناتها.
واقترح اشتية على غرف التجارة والصناعة كونها جزء من كيان وزارة الاقتصاد الوطني بالعمل على عملية التكامل في الشراء من خلال تجميع معامل الأحذية والاستيراد من الخارج لتخفيض مدخلات تكلفة الإنتاج، وتكثيف إقامة المعارض في مختلف المناطق الفلسطينية لخلق ثقافة تعزيز شراء المنتج الوطني وترويجه وبشكل دائم.
وأضاف" 90% من مدخلات الإنتاج الخاصة بالأحذية تأتي من خلال الجانب الإسرائيلي، ولا تستطيع معامل الأحذية المحلية الاستيراد من الخارج بفعل واقع بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ما يعني ذهاب معظم فائض القيمة إلى الجانب الإسرائيلي، وبأثمان مرتفعة".
وأشار اشتية إلى أن الغلاف الجمركي الموحد مع الجانب الإسرائيلي وفق بروتوكول باريس الاقتصادي أدى إلى غياب التمثيل الفلسطيني عن المعابر، مما منح التجار المحليين فرصة استيراد الكميات والأنواع التي يريدها دون الاهتمام بجودة ونوعية الأحذية المستوردة، بقدر ما يعتني بحجم أرباحه من وراء المنتج المستورد.
وتشير مصادر في وزارة المالية والتخطيط لـ "بوابة اقتصاد فلسطين" إلى استيراد التجار 18 مليون جوز حذاء إلى أسواق الضفة الغربية بطريقة قانونية عام 2014، مشيرة إلى أنه لا يمكن حصر الأرقام التي يتم تهريبها من خلال الأسواق الإسرائيلية إلى الضفة الغربية.
بينما يرى الخبير الاقتصادي، سليمان عيسى، أن تطبيق الحكومة للتعرفة الجمركية سيؤدي إلى خلق منافسة شبه عادلة لصالح الصناعة المحلية، وحماية المستهلك المحلي من المنتجات الغير مطابقة للمواصفات والمقاييس الصحية والجودة، وخلق فرص عمل تشغيلية للشباب، ودفع عجلة التقدم الاقتصادي للأمام.
وتم مؤخراً تشكيل لجنة فنية من وزارتي الاقتصاد الوطني والصحة، والاتحادات الصناعية ومؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية وجامعة بوليتكنك فلسطين لإقرار عدة رؤى لصالح قطاع صناعة الأحذية، وأجرت اللجنة العديد من الأبحاث والدراسات لموائمة الأسواق المحلية والأجنبية، وتم بناء مركز فحص الأحذية والجلود خدمة لصناعة الأحذية.
وأفادت دراسة أجراها التجمع العنقودي لصناعة الأحذية العام الماضي، أن 80 في المئة من المعارض توجه المستهلك إلى شراء الأحذية المستوردة نظراً لأرباحهم الطائلة.
*إجراءات الحكومة أمام البضائع المستوردة
وأكد مدير مديرية الاقتصاد الوطني في الخليل ماهر القيسي لـ "بوابة اقتصاد فلسطين" أن وزارته وبالتعاون مع مجلس الوزراء الفلسطيني اتخذوا عدة خطوات لدعم محاربة البضائع المستوردة الغير مطابقة للمواصفات الفلسطينية، وفرضت ضريبة إضافية على الأحذية لدعم المنتج الوطني، وإنشاء تجمعات عنقودية له.
وأضاف القيسي لمراسلنا "قدمت الحكومة الفلسطينية حوالي مليون ونصف دولار لإنشاء مختبر لفحص الأحذية الموجودة في الأسوق المحلية، وعملت وزارة الاقتصاد الوطني على إقامة العديد من المعارض خارج أرض الوطن لتسويق صناعة الأحذية، ونجح التجار في تصدير بضاعتهم إلى العديد من الدول الأوروبية والخليج العربي.