قوانين الأرض والبناء تعيق خطى الاستثمار الفلسطيني
يواجه الاستثمار في القطاع العقاري إشكاليات عدّة، تتمثل في القيود المتعلقة بالأرض وملكيتها والتحكم في مسألة البناء عليها خاصة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى إشكالية البنية القانونية التي يوجه المتخصصون انتقادات لها من أجل تحسين ظروف الاستثمار العقاري عموماً.
رام الله- بوابة الاقتصاد الفلسطيني| أمل دويكات- عدة عوامل مرتبطة بمسألة الأرض الصالحة للاستثمار في الحالة الفلسطينية تجعل مسألة الاستثمار مسألة معقدة. يقول المحاضر في كلية القانون في جامعة النجاح الوطنية د. إسحاق البرقاوي:"البيئة الاستثمارية مرتبطة أساسا بالأرض، وهنا تكمن المشكلة، ففي ظل الوضع الراهن لبلادنا هناك عراقيل كثيرة تتعلق بمسألة الأرض".
الأرض: المعيق الأكبر
يجمل د. برقاوي العوامل المعيقة المتعلقة في الأرض بالتالي:
أولا: اختلاف النظم والقوانين التي تحكم الأراضي في فلسطين، بدءا من القوانين الصادرة في العهد التركي والمعمول بها حتى الآن، مرورا بقوانين الانتداب البريطاني، ومن ثم فترة الحكم الأردني، وبعدها الاحتلال الإسرائيلي (الأوامر العسكرية الإسرائيلية)، وصولا إلى فترة الحكم الذاتي للسلطة الوطنية الفلسطينية.
ثانيا: اختلاف أنواع الأراضي وخصوصا أن هناك أراضي ملك، وأراضي أميرية، والأخيرة يمكن القول إنها لم تعد موجودة إلا في فلسطين، فقد تحولت كل الأراضي في كافة الدول التي خضعت للسيطرة العثمانية إلى أراضي ملك فيما بعد، وهذا يمثل مسائل قانونية شائكة في فلسطين، مما يعرقل الاستثمار من جهة ويسهل السيطرة الإسرائيلية على مثل تلك الأراضي من جهة أخرى، وهذا يؤدي لإخراج تلك الأراضي من رقعة الاستثمار نهائيا.
ثالثا: معظم أراضي الضفة الغربية هي أراضي غير مسوّاة والتي تسمى بالمصطلح الدارج أراضي مالية، أما الأراضي المسوّاة والمسماة أراضي طابو فلا تتجاوز نسبتها 21% من إجمالي أراضي الضفة كلها، وإذا ما أضفنا الأراضي قيد التسوية بنسبة لا تتعدى 9% تصبح النسبة في أقصى حدودها 30% فقط من إجمالي أراضي الضفة الغربية. ونسبة ال70% المتبقية تعيق الاستثمار العقاري لأنه من المعروف أن الاستثمار يقوم على تمويل وقروض وهذه القروض تحتاج ضمانات، والضمان عادة هو الأرض، ولا يمكن إعطاء ضمان إلا من أراضي (الطابو) فقط، ومن هنا يتعذر على المستثمر في كثير من الأحيان إيجاد قطعة الأرض المناسبة.
رابعا: بالنسبة للأراضي غير المسوّاة (أراضي المالية) التي تشكل 70% من أراضي الضفة لا يجازف المستثمر بشرائها لأن ملكيتها مهددة، وإذا ما أراد تملكها فإن القانون لا يتيح له التصرف بها إلا بعد مرور 15 سنة على تاريخ الشراء، وإذا ما افترضنا أن الشراء تم في هكذا حالة، فإن وسيلة تثبيت ملكيتها تكون عن طريق ما يسمى (التسجيل المجدد) وهذه الطريقة تتطلب إجراءات كثيرة، وهذا عامل آخر يضيق على المستثمر.
معضلة أ ب ج
ويوضح البرقاوي مسألة السيطرة على الأرض وفق الاتفاقية السياسية بالقول "بعد اتفاقية أوسلو تم تقسيم الأراضي على أساس مناطق (أ، ب، ج) وما يزيد عن60% من أراضي الضفة تحت مسمى مناطق (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة وغير المسموح بالبناء فيها، بل على العكس فإن الاحتلال يهدم أي منشأة فلسطينية تقع ضمن مناطق (ج). وفي النهاية إذا ما حسمنا مناطق (ج) من حسابات الاستثمار ثم وضعنا في الاعتبار أن مناطق (أ، ب) تعاني هي الأخرى من مشكلة عدم تسوية الأراضي، نقف أمام حقيقة صادمة وهي أن نسبة الأراضي المتبقية والصالحة للاستثمار بين 5- 7% فقط. وإذا ما أخذنا النسبة الأخيرة نجد أن غالبيتها هي الأخرى مستغلة بالأبنية والتجمعات السكنية داخل حدود المدن والخرائط الهيكلية الأمر الذي يجعلنا نقول أن أعشار بالمئة تتبقى للمستثمر. ولا نقف عند هذا الحد بل نقول إن المستثمر بعد كل هذا إذا ما أراد البقاء والاستثمار ورضي بالمجازفة في ظل هذا الوضع الخانق، فإن الإجراءات البيروقراطية تعرقل أحيانا من تطوير الاستثمار وتشجيعه. ولا ننكر أن هناك قانون تشجيع للاستثمار وهناك إعفاءات ضريبية تمنح للمستثمرين."
عثرات قوانين البناء
ويوضح د. رياض عبد الكريم الأستاذ في قسم الهندسة المدنية بجامعة النجاح الوطنية أن البيئة القانونية الخاصة بالقطاع العقاري فيها عدة إشكاليات "من ناحية القوانين المنظمة للبناء في فلسطين هناك قوانين منظِّمة وعاملة في هذا القطاع، لكن بالمقابل هناك قوانين غير مشجعة على الاستثمار العقاري ومنها على سبيل المثال محدودية عدد الأدوار (الطوابق) في المراكز التجارية الكبرى في المدن الرئيسية، وهو أمر غير موجود في قوانين البناء ونظمها في الدول المختلفة. ولأن المراكز التجارية عددها محدود أساسا فلا بد من إعادة النظر فيها لتشجيع المستثمرين:.
ويتابع: كما أن قانون المالكين والمستأجرين متحيز لصالح المستأجر ويغض الطرف عن مصلحة المالك الأمر الذي يعزز هروب المالكين وأصحاب العقارات من التأجير إلى البيع مباشرة. والقوانين في الدول المختلفة ومنها الأردن تتيح للمالك رفع سقف العقار لحد معين لكن في القوانين المعمول بها محليا لا يوجد مثل هكذا نص. إضافة إلى أن بعض النصوص القانونية تحدد مساحة أرض لا تقل عن دونم كحد أدنى للسماح بالبناء عليها ومنحها الترخيص اللازم، وهو أمر يجعل بعض المواطنين وخاصة في الأرياف يلجؤون للبناء خارج حدود المخططات الهيكلية وعادة ما تكون في مناطق (ج) التابعة للسيطرة الإسرائيلية، للهروب من مسألة شروط منح التراخيص محليا."
ويأمل الأستاذ في قسم الهندسة المدنية أن تتضافر جهود المؤسسات الرسمية والشعبية والأكاديمية من جامعات ومعاهد علمية لتطوير نظم الإنشاءات في فلسطين وتعديل القوانين بما يكفل تشجيع جهود الاستثمار العقاري.
ورغم كل المعيقات، يبدو المستثمر الفلسطيني أكثر جرأة حين يقرر الاستثمار في بيئة محفوفة بالمجهول سياسياً واقتصادياً، فبقاء المستثمر في أرضه وتكيفه مع الظروف الاستثنائية لمناخ مشروعاته يجعل المستثمر الفلسطيني يحقق القول "رأس المال الفلسطيني شجاع".